الخميس، 13 مارس 2014


اعظم قصة مؤثرة عن التوبة قرأتها بحياتي فأبكت الكثير ممن قرأها خرج الأمير علي بن المأمون الخليفة العباسي , فأشرف من شرفة القصر ذات يوم ينظر إلى سوق بغداد... ينظر من القصور العاجية... فطعامه... شهي, ومركبه... وطي, وعيشه... هني, يلبس أفخر الثياب ويأكل ما لذ وطاب... وما جاع يوما ولا ظميء أبدا... فأخذ ينظر إلى الناس في السوق... هذا يذهب وهذا يأتي... فلفت نظر الأمير حمالا يحمل للناس بالأجرة وكان يظهر عليه الصلاح... فكانت حباله على كتفه, والحمل على ظهره, ينقل الحمولة من دكان لآخر ومن مكان إلى مكان. فأخذ الأمير يتابع حركاته في السوق... فعندما إنتصف الضحى ترك الحمال السوق وخرج إلى ضفاف نهر دجلة وتوضأ... وصلى ركعتين... ثم رفع يديه وأحذ يدعو... ثم عاد إلى السوق فعمل إلى قبيل الظهر... ثم إشترى خبزا فيأخذها إلى النهر فيبلها بالماء ويأكل... فإذ إنتهى توضأ للظهر وصلى... ثم نام ساعة... وينزل للسوق فيعمل... ثم يشتري خبزا... ويعود لمنزله. وفي اليوم التالي عاد و راقبه الأمير علي... وإذ به نفس البرنامج السابق... والجدول الذي لا يتغير... وهكذا اليوم الثالث والرابع... فأرسل الأمير جنديا من جنوده إلى ذلك الحمّال ليستدعيه لديه في القصر, فذهب الجندي وإستدعى الحمال. فقال في نفسه: مالي ومال جنود بني العباس؟ مالي ومال الخلفاء؟؟ قال الجندي: أمر الأمير أن تحضر الآن عنده... فظن المسكين أن الأمير يحاسبه أو يحاكمه... فقال: حسبي الله ونعم الوكيل... وهذه الكلمة هي سلاح الفقراء والمظلومين ولكنها تكسر رؤوس الطغاة فدخل الحمال الفقير على الأمير , فسلم عليه... فقال الأمير: ألا تعرفني؟ فقال:مارأيتك حتى أعرفك ! قال: أنا ابن الخليفة... فقال:يقولون ذلك. قال: ماذا تعمل أنت؟؟ فقال: أعمل مع عباد الله في بلاد الله. قال الأمير: قد رأيتك أياما... ورأيتُ المشقة التي أصابتك, فأريد أن أخفف عنك المشقة... فقال: بماذا؟ قال الأمير: أسكن معي وأهلك بالقصر... آكلا... شاربا... مستريحا... لا همّ... ولا حزن... ولا غمّ... فقال الفقير: ياابن الخليفة , لا همّ على من لم يذنب, ولا غمّ على من لم يعص... ولا حزن على من لم يُسيء... أمامن أمسى في غضب الله وأصبح في معاصي الله... فهو صاحب الغم ّ والهمّ والحزن. فسأله عن أهله... فقال: أمي عجوز كبيرة... وأختي عمياء حسيرة وهما تصومان كل يوم وآتي لهما بالإفطار ثم نفطر جميعا ثم ننام. فقال الأمير: ومتى تستيقظ؟ فقال: إذا نزل الحي القيوم إلى السماء الدنيا. فقال:هل عليك من دين؟ فقال: ذنوبٌ سلفتْ بيني وبين ربي. فقال: ألا تريد معيشتنا؟ فقال: لا و الله, لا أريدها. فقال: ولم؟ فقال: أخاف أنْ يقسو قلبي, وأن يضيع ديني. فقال الأمير: هل تفضل أن تكون حمالا على أن تكون معي في القصر؟ فقال:نعم. فأخذ الأمير يتأمله وينظر إليه وهو مشدوه... بعد أن ألقى عليه محاضرة عن الإيمان ودرسا عن التوحيد. فتركه... وذهب... وفي ليلة استيقظ الأمير بل استفاق من غيبوبة... وأدرك أنه كان في سبات عميق وأن داعي الله يدعوه... لينتبه. فاستيقظ الأمير وسط الليل... وقال لحاشيته: أنا ذاهب إلى مكان, وبعد ثلاثة أيام أخبروا أبي الخليفة المأمون أني ذهبت وقولوا له بأنّي وإياه سنلتقي يوم العرض الأكبر. قالوا: ولم؟ فقال: نظرتُ لنفسي وإذ بي في سبات وضياع وضلال وأريدُ أن أُهاجرُ بروحي إلى الله. فخرج وسط الليل وقد خلع لباس الأمراء ولبس لباس الفقراء ومشى واختفى عن الأنظار... ولم يعلم الخليفة ولا أهل بغداد أين ذهب الأمير... وعهد الخدم به يوم ترك القصر... وأنه راكب إلى واسط كما يقول التاريخ... وقد غير هيئته كهيئة الفقراء وعمل مع تاجر في صنع الآجر. فكان له ورد في الصباح يحفظ القرآن الكريم... ويصوم الأثنين والخميس ويقوم الليل ويدعو الله عز وجل وما عنده من مال يكفيه يوما واحدا فقط... فذهب همه وغمه وذهب حزنه وذهب الكبر والعجب من قلبه... "أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها"(الأنعام:122) ولما أتته الوفاة أعطى هذا التاجر خاتمهوقال: أنا ابن الخليفة المأمون... إذا متُ... فغسلني... وكفني... واقبرني... ثم اذهب لأبي وسلمهُ الخاتم. فغسله وكفنه وصلى عليه وقبره وأتى بالخاتم للمأمون... وأخبرهُ خبره وحاله... فلما رأى الخاتم شهق وبكى الخليفة المأمون... وارتفع صوته... وبكى الوزراء... وعرفوا أنه أحسن اختيار الطريق... لكنهم... لم يسيروا عليه!! هذه قصة من قصص التاريخ.اُثبتتْ , وحفظتْ... ونقلتْ... فهل من عاقل؟ القصة من كتاب التوابين لأبن قدامة المقدسي
ملخص الخطبة إشارة إلى ما تحويه السورة من آداب عظيمة – قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ... ) – من معاني الأخوة الإسلامية ومراتبها وآثارها : 1- الإيثار , وهي أعلى مرتبة وبها مدح الله الأنصار 2- مرتبة محبة لأخيه ما يحب لنفسه ما يحب لنفسه , وهي مرتبة الإيمان الكامل 3- مرتبة الإسلام وهي كف الأذى – خطورة سوء الظن وأثره على المجتمع المسلم – حال المؤمن في السراء والضراء – واقع الأمة المرير وبغيها على بعضها البعض وتكالب أعدائها عليها – واجب المسلم اليوم الخطبة الأولى أما بعد فقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم [الحجرات:12]. في سلسلة تسجيلنا إلي سورة الحجرات نصل اليوم إلي هذه الآية، الآية الثانية عشرة من هذه السورة الكريمة وقد تضمنت هذه الآية مجموعة من الأحكام الجليلة والآداب الرفيعة التي تنظم العلاقات بين المؤمنين وتبنى مجتمعاً إسلامياً قوياً متماسكاً يتكون من أفراد مؤمنين متحابين يظللهم مبدأ الاخوة الإسلامية وتجمع قلوبهم وشائج المحبة الإيمانية وشعارهم المسلم أخ المسلم, هذا الشعار الذي أطلقه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون الأساس المتين الذي يقوم عليه كيان المجتمع الإسلامي، نعم المسلم أخو المسلم ومن معاني هذه الأخوة أن يؤثر المسلم أخاه المسلم ويقدمه على نفسه وهذا نموذج من أرفع نماذج هذه الأخوة ودرجة من أعلى درجاتها وهي درجة الصحابة الكرام رضوان الله عليه أجمعين، وهي الدرجة التي مدح بها الأنصار على وجه الخصوص في القرآن العظيم، فإن لم يبلغ المسلم هذه المرتبة العظيمة الرفيعة في علاقته مع أخيه المسلم فالتي تليها وهي أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يبلغ المسلم مرتبة الإيمان الحقيقي الكامل إلا بهذا، فإن لم يبلغ المسلم في تعامله مع أخيه المسلم حتى هذه المرتبة الثانية فأقل ما يجب عليه أن يكف لسانه ويده عن أخيه المسلم فلا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يسبه ولا يغتابه ولا يلمزه ولا ينبذه ولا يحقره ولا يسيء به الظنون, هذا هو واجب المسلم على أخيه المسلم وبدون هذا ليس هناك إلا الدمار والخراب وتمزق الصفوف وتباغض القلوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[1] أي المسلم الحقيقي الصحيح الإسلام هو من هذا حاله وشأنه إذ أن من معاني الإسلام الأمان والسلامة فإن الإنسان بدخوله في الإسلام يسلم من يد المسلمين وألسنتهم, يسلم من سيوفهم يأمن على نفسه وعلى دمه وعلى ماله وعرضه كما أن الآخرين يأمنونه على أنفسهم وعلى دمائهم وعلى أموالهم وعلى أعراضهم فإن هذا من معاني الإسلام فالإسلام يكون بهذا كالسياج للإنسان، هو سياج من الأمن والسلام والسلامة هذا من معاني الإسلام ومن لم يكن بهذه المثابة فإن في إسلامه خللاً كبيراً وفي إيمانه نقصاً خطيراً. و إن من أشد الأمراض الاجتماعية فتكاً بالأفراد والجماعات، من أشد الأجواء الاجتماعية إفساداً للمجتمع المسلم وتمزيقاً لصفة وهدماً لكيانه سوء الظن والتجسس والغيبة ,و كل واحدة منها تحتاج إلى وقفة لكننا نبدأ اليوم بأولها بإشارة وجيزة لها تكملة إن شاء الله وهو سوء الظن، فعن عمر الفاروق رضي الله عنه قال: " لا تظنن بكلمة من أخيك إلا خيراً وأنت تجد لها محملاً على الخير"، لأن أخاك المسلم الأصل فيه أنه لا يريد بك إلا الخير فإذا صدرت منه كلمة أو موقف أو تصرف يحتمل احتمالات كثيرة الخير واحد منها فعليك أن تحمله على الخير. أما إن كان ليس هناك أي محمل لكلمته على الخير فأنت وذاك، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويقول: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك دمه وماله وأن لا يظن به إلا خيراً))[2] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. و روى مالك بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث))[3]. كم نوفر علي أنفسنا نحن المسلمين من جهود وطاقات تبدد وكم ندرأ عن أنفسنا من مفاسد لو تأدبنا بهذه الآداب القرآنية وامتثلنا لهذه التوجيهات النبوية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. ________________________________________ [1] صحيح البخاري (10)، صحيح مسلم (41). [2] سنن ابن ماجة (3932). [3] موطأ مالك : كتاب حسن الخلق – باب ما جاء في الهاجرة (15).
قصة مؤثره عن التسامح والعفو.......في عهد الصحابه رضيالله عنهم الأمة دائماً ماتحتاج إلى تدبر سير العظام منها ، وهل أعظم قدراً وأعلى مكاناً من أصحاب رسول الله ، لقد سطرت كتب التاريخ والسنة صفحات خالدة لأولئك الرجال رضي الله عنهم وأرضاهم ،( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100) واليوم سنعطر هذا المجلس بقصة فيها كثير من العظات العبر، قصة حفظتها لنا كتب السنة ، أما أطراف القصة فصحابيين فاضلين أولهما الصديق أبو بكر رضي الله عنه ، أفضل رجل بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه ، والثاني خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي سأله مرافقته في الجنة فقال له النبي إذن أفعل فأعني على نفسك بكثرة السجود ، ريبعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه ، فإليكم القصة أولاً كما رواها أحد أطرافها ثم نقف معها بإذن الله وقفات فقد روى الإمام الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قوله (وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً وأعطى أبا بكر أرضاً فاختلفنا في عذق نخلة قال وجاءت الدنيا فقال أبو بكر هذه في حدي فقلت لا بل هي في حدي قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها قال فقال لي يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا قال فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا قال والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خير قال فرفض أبو بكر الأرض وأتى النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أتلوه فقال أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك قال فقلت أتدرون من هذا هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة قال فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ربيعة ما لك والصديق قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي ) . إن هذه القصة العجيبة التي نقلتها لنا كتب السنة تحمل في طياتها جملة من الدروس والعبر ، ولاأدري بأيها أبدأ ، هل أبدأ برسول وكيف سمع من أبي بكر وربيعة رضي الله عنهما وكيف جعلهما يتجاوزا هذه المرحلة ، أم بالنفس الكبيرة للصديق رضي الله عنه ، أم أتحدث عن ربيعة رضي الله عنه وتوقيره للصديق رضي الله عنه . إن المحور الذي تدور عليه هذه القصة هو مادار بين الصحابيين الكريمين ونظرتهما لذلك العذق الذي سبب اختلافاً يسيراً بينهما ، لقد قال ربيعة رضي الله عنه أن السبب في حدوث هذا الأمر ( وجاءت الدنيا ) يعني أن السبب الرئيس كان الإلتفات لهذه الدنيا وزهرتها ، وكأنه رضي الله عنه يقول لنا إن حقيقة الدنيا وزخرفها لاتدع لمثل هذا الخلاف والنزاع ، كأنه يقول لنا لماذا الاختلاف والتنازع والتقاطع بين الخلان والإخوان من أجل مال أو أرض أو ميراث ، كأنه يقول لنا إلى متى تشغلنا هذه الدنيا عن أهدافنا السامية .. عن علاقاتنا فيما بيننا ، اسمعوا إلى ربنا سبحانه وتعالى يصف لنا هذه الدنيا (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (الكهف:45) ثم يلفت رضي الله عنه لفتة أخرى توجها رضي الله عنه بعدل مطلق حينما قال عن أبي بكر رضي الله عنه ( فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم ) ، حاولت أن أعرف هذه الكلمة التي قالها أبو بكر رضي الله عنه فيما ورد من روايات لهذا الحديث لكنني لم أتوصل إليها مع يقيني الكبير أن هذه الكلمة لاتعدوا أن تكون سبق لسان تداركه الصديق رضي الله عنه بندمه على ماقال – وفي هذا عبرة وأي عبرة فحتى لو أخطأ الأكابر فالعودة إلى الحق تكاد أن تكون أسرع من الوقوع في الخطأ – ثم إن خفاء هذه الكلمة يثبت أن ربيعة رضي الله عنه لايحمل شيئاً يريد أن تنسى هذه الكلمة وتمحى . طلب أبو بكر رضي الله عنه من ربيعة رضي الله عنه أن يرد له تلك الكلمة ليقتص الصديق رضي الله عنه من نفسه ، لم تمنعه مكانته من رسول الله ولا مكانته في الإسلام أن يحقر أحداً من المسلمين ولاأن يتعدى عليه حتى بلفظ يسير – يقرر لنا الصديق رضي الله عنه بهذا الموقف العظيم مبدأ العدل والتواضع - وفي موقف كبير آخر مقابل لموقف الصديق رضي الله عنه ونفس سامية للمتربي في مدرسة النبوة على صحابها أفضل الصلاة والسلام تسمو عن مبدالة الكلمة المكروهة بمثلها ليقول ربيعة رضي الله عنه (لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيراً ) وكأن ربيعة رضي الله عنه مرة أخرى يذكرنا بحقيقة أخرى فكأنه يقول بادل السيئة بالحسنة وكأنه يقول لاتدع للشيطان مدخلاً عليك في تعاملك مع إخوانك وخلانك ، وكأنه يقول لاتقل بلسانك إلا خيراً ، وكأنه يهمس في أذن من اتخذ من لسانه أداة للسب أو الشتم أو السخرية أو الغيبة أو الكذب لاتفعل .. لاتفعل ... فهذا ليس من الخير في شيء ، ثم هو رضي الله عنه يذكرنا بخلق آخر خلق فاضل ألا وهو خلق الحلم لم يرد رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه الكلمة بمثلها أو تجاوز ذلك – حاشاه – رضي الله عنه ، أليس في ذلك عبرة لنا أن نضبط أنفسنا ، ومشاعرنا ، يؤسفني أن بعض المسلمين يرد الكلمة بمثليها والجملة بأضعافها ، يستثيره أدنى أمر .. فتجده يزبد ويرعد .. يشتم ويلعن .. وينسى وصية حبيبه حينما أوصى صاحبه رضي الله عنه ( لاتغضب ) . ثم إن أبا بكر رضي الله عنه وقد أثرت عليه الكلمة التي قالها ، عندما لم يلبي ربيعة رضي الله عنه طلبه ذهب إلى النبي ليرشده في أمره – وفي هذا فائدة جليلة بالعودة إلى المرجعية التي تتمثل في رسول الله في هذه القصة - وتبعه ربيعة رضي الله عنه وفي الطريق أراد قوم ربيعة رضي الله عنه أن يردوه عن إتباع أبي بكر رضي الله عنه وكأنهم يقولون له أنك أنت المخطأ عليك ومعك الحق فلماذا تذهب خلفه ، وتأتي الإجابة الكبيرة في مبناها ومعناها من ربيعة رضي الله عنه ( أتدرون من هذا هذا أبو بكر .. هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين .. إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة ) إنه سمو في القول والفعل ... سمو في الأخلاق والتعامل .. سمو في الإحترام والتوقير .. فلله درك ورضي الله عنك حين تعطي للأمة درساً في إنزال الناس منازلهم ، لله درك ورضي الله عنك حين تعرف لأهل الفضل فضلهم ، لله درك ورضي الله عنك حين توقر الصديق رضي الله عنه وتحترمه .. لله درك ورضي الله عنك حين تضبط الأمور بميزان الشرع للعقل ، انظروا رضي الله عنها علم مكانة أبي بكر رضي الله عنه من رسول الله خشي من غضبه لإنه سيترتب على ذلك غضب رسول الله ثم يترتب على ذلك غضب الله تعالى إنه ميزان الشرع الذي الذي وزن فيه الأمر الذي غاب عن قومه رضي الله عنهم حينما وزنوا الأمر بعاطفتهم المجردة ، وفي هذا درس للأمة عظيم أن العاطفة التي لاتنضبط بضوابط الشرع تؤدي إلى نتائج لاتحمد عقباها ، أترون ماتمر به بلادنا حرسها الله في هذه الأيام من ظهور الأفكار التي حركتها العاطفة الغير منضبطة بضوابط الشرع ، فعاثت في الأرض فساداً تفجر وتدمر وتخرب وتكفر ، أيها المسلمون .. إن العلم الشرعي المبني على الأصول الصحيحة هو السبيل الأوحد إلى سلامة الأمة ونصرها ، نحن أمة منهجنا واضح وأساسه واضح ، ومبناه واضح ، لايحركنا هوىً متبع أو عاطفة غير منضبطة أو حماس غير محسوب . هذا مادار بين الصحابيين رضي الله عنهما قبل وصولهما إلى رسول الله ، أما ماكان بينهما عند رسول الله . فقد التقى الصحابيان رضي الله عنهما أبو بكر الصديق وربيعة الأسلمي رضي الله عنهما عند رسول الله واستمع لهما ، هكذا رسولنا مع أصحابه رضي الله عنهم يستمع إليهم ويجلس معهم يشاوره فيشير عليهم يسألوه فيجيبهم ، سمع كلا الطرفين ولم يغفل طرفاً دون الآخر وفي هذا مضرب مثل لعدله ، وبعد أن استمع إليهما واتضح له الأمر أرشد ربيعة لما هو خير من رد الكلمة التي قال أبو بكر رضي الله عنه ، وأيده على عدم الرد بالمثل وقال له قل يغفر الله لك ياأبا بكر ) . قالها ربيعة رضي الله عنه فأبت تلك النفس الكبيرة نفس أبي بكر رضي الله عنه التي تخشى الله وتتقه فسبقت عبراته عبارته وولى وهو يبكي رضي الله عنه وأرضاه . يالله .. ماأجملها من قصة تختم بهذا الأدب الجم والخلق خلق العفو والتسامح ، ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى: من الآية40) .
خطبة حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم كاملة أيها الناس، افسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة. نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين. قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت كان فردًا وحيدًا، يعرض الإسلام على الناس فيردوه، ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله. ها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في مشهدٍ يوحي بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، مهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين: وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض، التي عذّب من عذّب فيها، وسحب على رمضائها مَنْ سُحِب، ساروا يمرّون على مواضع لم تزل ولن تزال عالقة في ذكراهم، سيموا فيها ألوان العذاب والقهر والعنت، سار صلى الله عليه وسلم ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما استقسم فيه بالأزلام، وعبدت فيه الأصنام، دخله طاهرًا نقيًا، تردد أركانه وجنباته لا إله إلا الله، ورجع الصدى من جبال بكة ينادي: لبيك اللهم لبيك. خطبة حجة الوداع كاملة ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت? اللهم فاشهد. أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم. ولما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]. وعندما سمعها عمر رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان. أخرجه البخاري. ولما قضى مناسكه حث المسير عائدًا إلى طيبة الطيبة

جميع الحقوق محفوظة @ 2013 مدونة نور الهدي القراني .

Designed by Templateism